الجمعة، 10 أبريل 2015

أصل تسمية محلة دمنة_الحلقة الثانية

أصل تسمية محلة دمنة

الحلقة الثانية


تحدثنا في الحلقة السابقة عن معني محلة دمنة في المعاجم، وأنها لم تكن تُسمى نزلة وحيش على اسم الشيخ صالح وحيش. كما لم تسمى أبداً بمحلة الدماء. وفي حلقة اليوم نستكمل رحلتنا عن محلة دمنة، وعن ذكرها في بعض كتب الصوفية القديمة حيث صاحب اسمها اسم ابنها الشيخ صالح وحيش. ففي كتاب "الخطط التوفيقية" لعلي باشا مبارك، ورد اسم الشيخ صالح بين السطور التي تتحدث عن محلة دمنة لترسم لنا عالماً مرئياً واضحاً نستطيع أن نرى من خلاله صورة لمحلة دمنة منذ أكثر من 120 عام مضى، حيث ورد في الجزء الخامس عشر صفحة 27 ما يلي:

"محلة دمنة ... قرية من مديرية الدقهلية بمركز دكرنس على الشاطيء الشرقي للبحر الصغير بينها وبين دكرنس نحو ثلاثة آلاف قصبة، وبها ثلاثة مساجد عامرة، ومحل ضيافتها لعمدتها علي نصير، وبها دكاكين وقهاوٍ وخمارات على شط البحر، ووابور كبير لحلج القطن للدائرة السنية، وبساتين ومحل ديوان جفلك طناح، وتكسب أهلها من زرع القطن والكتان والأرز والسمسم وقصب السكر، وفيها مقام وليّ يُسمى الشيخ صالح من ذريته رجل يُقال له الشيخ محمد وحيش يتوسم فيه الخير والصلاح، والناس يزورونه ويتبركون به، عمره يزيد عن مائة سنة، وعنده أبريق صغير يزعمون أنه من مخلفات سيدي أحمد البدوي وأنه إذا مُلئ يسقى نحو مائة رجل ولا يفرغ."

منْ منّا لا يعرف مقام سيدي صالح والذي احتوته مؤسسة موسى محمد موسى الخيرية، وبنت بجواره مسجداً صغيراً. فمقام سيدي صالح ينسب للشيخ صالح وحيش، وقد كان شيخاً ذا كراماتٍ من كرامات أولياء الله الصالحين. أما سيرته العطرة فقد وردت بدايةً في كتاب "النصيحة العلوية" لـنور الدين الحلبي (المتوفي عام 1044 هجرية - 1635) ميلادية، وهي مخطوطة قديمة، قام بشرحها فضيلة الشيخ/ أحمد عز الدين عبد الله في كتابه "سيرة السيد أحمد البدوي ... والتعريف بطريقته وأشهر رجالها" - طبعة 1964، وقد جاء فيه ما يلي:

"ومنهم الشيخ صالح الدمناوى، قيل أن الأستاذ (المقصود به هنا هو السيد أحمد البدوي) جاز ببلده محلة دمنة، فلقيه الشيخ صالح وأقسم عليه أن يقبل ضيافته، فنزل عنده. فشكى له الشيخ صالح من أخيه الشيخ صلاح وقال له: ياسيدى إن اخي صلاح يُسلط الذئب على دجاجي فيأكلها، فتبسم الأستاذ، وقال: سنُريحك منه، ونرسله إلى ناحية بعيدة."

وقد ذُكر الشيخ صالح وحيش هنا باسم صالح الدمناوي نسبة إلى محلة دمنة، وكذلك أخوه الشيخ صلاح، وعليه فيبدو من هذا النص أنّ مقام الشيخ صلاح الدين الدمناوي الموجود في مركز الباجور محافظة المنوفية ما هو إلا مقام الشيخ صلاح وحيش أخو الشيخ صالح وحيش. 

ولتوضيح ذلك أكثر نلجأ إلى مصدر آخر وهو كتاب "السيد أحمد البدوي رضي الله عنه" لفضيلة الشيخ الدكتور/ عبد الحليم محمود رحمه الله - شيخ الأزهر في الفترة ما بين 1973 و 1978. وقد آثرنا أن نورد النص كصورة ضوئية من الكتاب كما يلي:



والمقصود بالأستاذ هو السيد أحمد البدوي، أما الأبريق الذي ذكر هو نفسه الأبريق الذي ذكره على مبارك في كتابه "الخطط التوفيقية". أما البيجور فهي مدينة الباجور محافظة المنوفية.

وفي نهاية الحلقة الثانية، نوضح أن مقام سيدي صالح بمحلة دمنة بُني في مكانه الحالي منذ مئات السنين، وذلك لأن مقابر محلة دمنة قديماً كانت في تلك المنطقة، ثم انتقلت إلى المنطقة التي بها مقام سيدي على الدويب ثم انتقلت بعدها إلى المكان الحالي وبها مقام الشيخ أحمد أبو عويضة.

في الحلقة القادمة بمشيئة الله تعالي سنتحدث عن ....

ما زالنا في أصل التسمية فما زال هناك المفاجآت ...

انتظرونا
______________________

هوامش

كتاب "الخطط التوفيقية الجديدة لمصر القاهرة ومدنها وبلادها القديمة والشهيرة" لعلي باشا مبارك رحمه الله، الطبعة الأولى بالمطبعة الأميرية ببولاق مصر سنة 1306 هجرية، 1888 ميلادية. وتتكون الخطط من عشرين جزءً تصف بالتفصيل مدن مصر وقراها من أقدم العصور إلى الوقت الذي اندثرت فيه أو ظلت قائمة حتى عصره، واصفًا ما بها من منشآت ومرافق عامة مثل المساجد والزوايا والأضرحة وغير ذلك. كما أنه أورد العديد من التراجم والأعلام وسرد أشكال الحياة ثقافيا واجتماعيا ودينيا في تلك القرى والمدن حتى أصبح الكتاب واحداً من أهم المصادر في دراسة تاريخ مصر خلال العصر التاسع عشر، وأطلسا متكاملا لمدن مصر على مر العصور. وقد سُمّي الكتاب بالخطط التوفيقية نسبة إلى الخديوي توفيق، وقد أراد على باشا مبارك أن يكمل بها ما كتبه المقريزي في خططه.

ليست هناك تعليقات:

إرسال تعليق