الجمعة، 1 مايو 2015

الحلقة الخامسة_ كوبري عاشور الجزء الثاني

ذكرنا في الحلقة السابقة أن كوبري عاشور (والذي تم هدمه بعد تغطية الترعة حالياً) قد تسمى على اسم البدراوي باشا عاشور وكذلك ماكينة الطحين المجاورة له. كما ذكرنا أن البدراوي باشا عاشور كان أحد كبار الأعيان في  القطر المصري خلال القرن الماضي حيث كان يملك ما يقارب 40 ألف فدان. أي أنه كان من الشخصيات المعدودة التي تمتلك هذا العدد الكبير من الأفدنة لما يقدمه من خدمات جليلة لوالي مصر أو للباب العالي (الحاكم العثماني) حيث أن مصر لم تعرف الملكية الخاصة للأراضي الزراعية إلا في عهد الخديو سعيد، فالأرض منذ عهد الفراعنة كانت ملكية عامة للدولة حتى صدور ما يسمى بـ "اللائحة السعيدية" في النصف الثاني من القرن التاسع عشر، التي أعطت للخديوي الحق في منح بعض الأشخاص حق ملكية بعض الأراضي الزراعية لمن يقدمون خدمات جليلة للباب العالي أو لوالي مصر، وكان هذا الامتياز مقصوراً علي مدة حياة الشخص فقط، ثم سمح بعد ذلك لانتقال الملكية لورثته، وكان بالطبع من يصدر لهم تلك الفرمانات بالملكية أن يكونوا من المقربين للوالي من رجال الحاشية والبطانة، لذلك كان طبيعيا أن يتركز تملك الأراضي وحتى 1952 في عدد معين من الأشخاص، مما أدى لتركز شديد في ملكية الأراضي الزراعية، لذلك كان من أول إجراءات ثورة يوليو 1952 صدور المرسوم بقانون 178 لسنة 1952 ، بعد شهور قليلة من قيامها . وحدد القانون في مادته الأولى الحد الأقصى لملكية الفرد بمائتي فدان، ثم تقلصت إلي مائة فدان بقانون الإصلاح الزراعي الثاني الذي صدر في 127 لسنة 1961.

حادثة بهوت وثورة 23 يوليو 1952


فى يوم (9 سبتمبر 1952) سّلم الرئيس الراحل جمال عبد الناصر أول عقد ملكية لخمسة أفدنة من أرض الاصلاح الزراعى للشيخ ( محمد البهوتى ) .. وهو فلاح بسيط من قرية اسمها (بهوت) بمحافظة الدقهلية.. أما سبب اختيار (بهوت) لتكون القرية الاولى التى وزع فيها جمال عبد الناصر الارض على الفلاحين فنسرده فيما يلي:

كانت كل أراضى قرية (بهوت) فى ذلك الوقت وكل أراضي القرى المجاورة مملوكة لعائلة (بدراوى باشا عاشور) .. وكان الباشا يأمر وعلى الفلاحين العبيد الطاعة العمياء ، حتى لو لم يكن الامر قابلا للتنفيذ. وفى ذلك اليوم من عام 1951 ، أمر الباشا بتوريد كميات محددة من القمح  إلى مخازنه، لكن الإنتاج لم يكن كافياً لتغطية المطلوب، فغضب الباشا وطلب تأديب الفلاحين .. فهاجم رجاله بيوت الفلاحين، واستولوا على كل شىء لديهم، وتم القبض على أكثر من خمسين فلاحا وحبسهم فى قصر الباشا. وانتفضت القرية للمرة الاولى، واتجه الجمع من الفلاحين إلى قصر الباشا وحاصروه وأشعلوا النيران من حوله محتجزين فى داخله (نازلى سراج الدين) زوجة (محي الدين بدراوى عاشور).

اتصلت نازلى بوالدها ( فؤاد سراج الدين ) وكان وزيرا للداخلية آنذاك فأمر الهجانة والعسكر بالتوجه للقرية، ليتم محاصرتها لمدة 45 يوما. ووقف (عبد المجيد بدراوى عاشور) بجبروته وسط العسكر مصوبا بندقيته الى أحد أبناء القرية، ليسقط بعدها شهيد بهوت الأول ( محمد أبو الريش )، ثم يقوم عبد المجيد بـ (فقع) عين الفلاح ( أمين عباده هنادى ) ويصيبه بالعمى!!
ثم يحذو اخوه ( عبدالعزيز بدراوى عاشور ) حذوه ويقتل ببندقيته الشهيد الثانى لقرية بهوت الشيخ ( غازى العجمى ) .. ويدخل ( محي الدين بدراوى عاشور) عضو البرلمان وزوج نازلى سراج الدين سباق المنافسة على ظلم الانسان القوى لأخيه الانسان الضعيف .. ويقف محتجا داخل البرلمان على العدد الهزيل من القتلى قائلا قوله الشهير ( لو كنت متواجدا اثناء الاحداث لقتلت جميع الفلاحين فهؤلاء فلاحين كلاب )!!

وقد قال جمال عبد الناصر عن هذا الحادث:
"إن ثورة الفلاحين فى بهوت عام 1951 التى اندلعت ضد ظلم وجبروت الإقطاعيين كانت الباعث للثورة لإصدار قوانين الاصلاح الزراعى."

لذلك لم تكن مصادفة ان يكون الشيخ ( محمد البهوتى ) ابن بهوت هو اول من تسلم عقد ملكية الخمسة افدنة من ارض الاصلاح ، وهو من قام عبد المجيد بدراوى بحبسه وتعذيبه حتى اوشك على الموت .. ويكون ثانى فلاح يتسلم عقد ملكية ارضه هو(بدر الشربينى ) الذي احل عبدالمجيد بدراوى دمه لأنه هجم عليه لحظة ان شاهد الشهيد محمد ابو الريش يسقط على الارض غارقا فى دمائه برصاصات بندقية عبد المجيد بدراوى ، لكن بدر الشربينى فر هاربا من القرية تماما ولم يعد لها إلا بعد قيام ثورة يوليو. 

وأصبح يوم التاسع من سبتمبر من كل عام عيدا للفلاح المصري.

ـــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــ
المصادر

مقالة ... الأرض تشتعل في قرى مصر .. للكاتب/ أحمد طاهر .. بوابة الاشتراكي .. بتاريخ 25 فبراير 2008.

مقالة ... يا أيها الفلاح العظيم إنه يوم عيدك .. للكاتبة/ مديحة عمارة ..البوابة نيوز / البديل .. بتاريخ 6 سبتمبر  2014.

ليست هناك تعليقات:

إرسال تعليق